كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فصل:
وهذا أليق المواضع بذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم:
وأولهن خديجة بنت خويلد: بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب. وقد تزوجها صلى الله عليه وسلم بمكة، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وبقيت معه إلى أن أكرمه الله برسالته، فآمنت به ونصرته فكانت له وزير صدق، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين في الأصح، وقيل: بأربع، وقيل بخمس، ولها خصائص رضي الله عنها.
ومنها: أنه لم يتزوج عليها غيرها.
ومنها: أن أولاده كلهم منها إلا إبراهيم رضي الله عنه فإنه من سريته مارية.
ومنها: أنها خير نساء الأمة.
واختلف في تفضيلها على عائشة رضي الله عنها على ثلاثة أقوال، ثالثها الوقف: وسألت شيخنا ابن تيمية- رحمه الله- فقال: اختص كل واحدة منهما بخاصة، فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام، وكانت تسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبته وتسكنه، وتبذل دونه مالها، فأدركت غرة الإسلام، واحتملت الأذى في الله وفي رسوله، وكان نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة، فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها. وعائشة رضي الله عنها تأثيرها في آخر الإسلام، فلها من التفقه في الدين، وتبليغه إلى الأمة، وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها. هذا معنى كلامه.
قلت: ومن خصائصها أيضًا أن الله سبحانه بعث إليها السلام مع جبريل فبلغها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قال البخاري في صحيحه: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن فضيل، عن عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فأقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
وهذه لعمر الله خاصة لم تكن لسواها.
وأما عائشة رضي الله عنها، فإن جبرائيل سلم عليها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال أبو سلمة: إن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا: يا عائشة، هذا جبرائيل يقرئك السلام، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى، تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن خواص خديجة رضي الله عنها: أنها لم تسؤه قط ولم تغاضبه، ولم ينلها منه إيلاء ولا عتب قط ولا هجر، وكفى به منقبة وفضيلة.
ومن خواصها أنها أول امرأة آمنت بالله ورسوله من هذه الأمة.
فصل:
فلما توفاها الله تزوج بعدها سودة بنت زمعة رضي الله عنها، وهي سودة بنت زمعة بن قيس، بن عبد شمس، بن عبد ود، بن نصر، بن مالك بن حسل، بن عامر، ابن لوي. وكبرت عنده وأرد طلاقها فوهبت يومها لعائشة رضي الله عنها فأمسكها، وهذا من خواصها أنها آثرت بيومها حب النبي صلى الله عليه وسلم تقربًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبا له، وإيثارًا لمقامها معه، فكان يقسم لنسائه ولا يقسم لنسائه ولا يقسم لها، وهي راضية بذلك مؤثرة لرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنها.
وتزوج الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عنها، وعن أبيها، وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين، وقيل: بثلاث، وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الأولى، وهي بنت تسع سنين، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة، وتوفيت بالمدينة، ودفنت بالبقيع، وأوصت أن يصلي عليها أبو هريرة رضي الله عنه سنة ثمان وخمسين.
ومن خصائصها: أنها كانت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه كما ثبت عنه ذلك في البخاري وغيره، وقد سئل: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة. قيل: فمن الرجال؟ قال: أبوها».
ومن خصائصها أيضًا: أنه لم يتزوج امرأة بكرًا غيرها ومن خصائصها: أنه كان ينزل عليه الوحي وهو في لحافها دون غيرها.
ومن خصائصها: أن الله عز وجل لما أنزل عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها فقال: ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك«فقالت: أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. فاستن بها بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم، وقلن كما قالت».
ومن خصائصها: أن الله سبحانه برأها مما رماها به أهل الإفك، وأنزل في عذرها وبرائتها وحيًا يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة، وشهد لها بأنها من الطيبات، ووعدها المغفرة والرزق الكريم، وأخبر سبحانه أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرًا لها، ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شرًا لها، ولا خافضًا من شأنها، بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها، وأعظم شأنها، وصار لها ذكرًا بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء، فيا لها من منقبة ما أجلها.
وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشيء عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت: ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئني الله بها. فهذه صديقة الأمة، وأم المؤمنين، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تعلم أنها بريئة مظلومة، وأن قاذفيها ظالمون لها، مفترون عليها، قد بلغ أذاهم إلى أبويها وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لشأنها، فما ظنك بمن صام يومًا أو يومين أو شهرًا وشهرين، وقام ليلة أو ليلتين، وظهر عليه شيء من الأحوال، ولاحظوا أنفسهم بعين استحقاق الكرامات والمكاشفات والمخاطبات والمنازلات وإجابة الدعوات، وأنهم ممن يتبرك بلقائهم، ويغتنم صالح دعائهم، وأنهم يجب على الناس احترامهم، وتعظيمهم وتعزيرهم، وتوقيرهم، فيتمسح بأثوابهم، ويقبل ثرى أعتابهم، وأنهم من الله بالمكانة التي ينتقم لهم لأجلها ممن تنقصهم في الحال، وأن يؤخذ ممن أساء الأدب عليهم من غير إمهال، وأن الإساءة عليهم ذنب لا يكفره شيء إلا رضاهم، ولو كان هذا من وراء كفاية لهان، ولكن من وراء تخلف، وهذه الحماقات والرعونات نتائج الجهل الصميم، والعقل غير المستقيم، فإن ذلك إنما يصدر من جاهل معجب بنفسه، غافل عن جرمه وذنوبه، مغتر بإمهال الله له عن أخذه بما هو فيه من الكبر والإزراء على من لعله عند الله خير منه.
نسأل الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة، وينبغي للعبد أن يستعيذ بالله أن يكون عند نفسه عظيما وهو عند الله حقيرًا.
ومن خصائصها رضي الله عنها: أن الأكابر من الصحابة رضي الله عنهم كان إذا أشكل عليهم الأمر من الدين استفتوها، فيجدون علمه عندها.
ومن خصائصها رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها، وفي يومها، وبين سحرها ونحرها ودفن في بيتها.
ومن خصائصها رضي الله عنها: كأن الملك أرى صورتها للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوجها في سرقة حرير، فقال: إن يكن هذا من عند الله يمضه.
ومن خصائصها رضي الله عنها: أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقربًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه رضي الله عنهم أجمعين، وتكنى أم عبد الله، وروى أنها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطًا، ولا يثبت ذلك.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها وعن أبيها، وكانت قبله عند خنيس بن حذافة، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن شهد بدرًا، توفيت سنة سبع، وقيل: ثمان وعشرين.
ومن خواصها: ما ذكره الحافظ أبو محمد المقدسي في مختصره في السيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها، فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة.
وقال الطبراني في المعجم الكبير: حدثنا أحمد، حدثنا أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى حدثنا جدي حرملة، حدثنا ابن وهب، حدثني عمرو بن صالح الحضرمي، عن موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فوضع التراب على رأسه، وقال ما يعبأ الله بابن الخطاب بعد هذا، فنزل جبرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر رضي الله تعالى عنه».
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، واسمها رملة بنت صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة فتنصر بالحبشة، وأتم الله لها الإسلام، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بأرض الحبشة، وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري فيها إلى أرض الحبشة، وولى نكاحها عثمان بن عفان، وقيل: خالد بن سعيد بن العاص.
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه، قال: وكان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث خلال أعطيهن. قال: نعم. قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها. قال: نعم قال: ومعاوية تجعله كاتبًا بين يديك. قال: نعم، قال: وتؤمرني أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: نعم. قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئًا إلا قال نعم.
وقد أشكل هذا الحديث على الناس: فإن أم حبيبة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل إسلام أبي سفيان كما تقدم، زوجها إياه النجاشي، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم أبوها، فكيف يقول بعد الفتح أزوجك أم حبيبة؟ فقالت طائفة: هذا الحديث كذب لا أصل له. قال ابن حزم: كذبه عكرمة بن عمار، وحمل عليه.
واستعظم ذلك آخرون، وقالوا أنى يكون في صحيح مسلم حديث موضوع، وإنما وجه الحديث أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجدد له العقد على ابنته ليبقى له وجه بين المسلمين وهذا ضعيف، فإن في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده وهو الصادق الوعد، ولم ينقل أحد قط أنه جدد العقد على أم حبيبة، ومثل هذا لو كان لنقل، ولو نقل واحد عن واحد، فحيث لم ينقله أحد قط علم أنه لم يقع، ولم يزد القاضي عياض على استشكاله، فقال: والذي وقع في مسلم من هذا غريب جدًا عند أهل الخبر، وخبرها مع أبي سفيان عند وروده المدينة بسبب تجديد الصلح ودخوله عليها مشهور.
وقالت طائفة: ليس الحديث بباطل، وإنما سأل أبو سفيان النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه ابنته الأخرى عزة أخت أم حبيبة. قالوا: ولا يبعد أن يخفى هذا على أبو سفيان لحداثة عهده بالإسلام، وقد خفي هذا على ابنته أم حبيبة، حتى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، فقال: إنها لا تحل لي، فأراد أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته الأخرى، فاشتبه على الراوي، وذهب وهمه إلى أنها أم حبيبة، وهذا التسمية من غلط بعض الرواة، لا من قول أبي سفيان، لكن يرد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم وأجابه إلى ما سأل، فلو كان المسئول أن يزوجه أختها لقال: إنها لا تحل لي: كما قال ذلك لأم حبيبة، ولولا هذا لكان التأويل في الحديث من أحسن التأويلات.
وقالت طائفة: لم يتفق أهل النقل على أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة رضي الله تعالى عنها، وهي بأرض الحبشة، بل قد ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بالمدينة بعد قدومها من الحبشة، حكاه أبو محمد المنذري، وهذا من أضعف الأجوبة لوجوه:
أحدها: أن هذا القول لا يعرف به أثر صحيح ولا حسن، ولا حكاه أحد ممن يعتمد على نقله.
الثاني أن قصة أم حبيبة وهي بأرض الحبشة قد جرت مجرى التواتر، كتزويجه صلى الله عليه وسلم خديجة بمكة، وعائشة بمكة، وبنائه بعائشة بالمدينة، وتزويجه حفصة بالمدينة، وصفية عام خيبر، وميمونة في عمرة القضية، ومثل هذه الوقائع شهرتها عند أهل العلم موجبة لقطعهم بها، فلو جاء سند ظاهر الصحة يخالفها عدوه غلطًا، ولم يلتفتوا إليه، ولا ينكرهم مكابرة نفوسهم في ذلك.
الثالث: أنه من المعلوم عند أهل العلم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله أنه لم يتأخر نكاح أم حبيبة إلى بعد فتح مكة، ولا يقع ذلك في وهم أحد منهم أصلًا.
الرابع: أن أبا سفيان لما قدم المدينة دخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه فقال: يا بنية ما أدري أرغبت بي هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر. وهذا مشهور عند أهل المغازي وذكره ابن إسحاق وغيره في قصة قدوم أبي سفيان المدينة لتجديد الصلح.
الخامس: أن أم حبيبة كانت من مهاجرات الحبشة مع زوجها عبيد الله بن حجش ثم تنصر زوجها وهلك بأرض الحبشة، ثم قدمت هي على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحبشة، وكانت عنده ولم تكن عند أبيها، وهذا مما لا يشك في ه أحد من أهل النقل، ومن المعلوم أن أباها لم يسلم إلا عام الفتح فكيف يقول: عندي أجمل العرب أزوجك إياها؟ وهل كانت عنده بعد هجرتها وإسلامها قط؟ فإن كان قال له هذا القول قبل إسلامه، فهو محال، فإنها لم تكن عنده ولم يكن له ولاية عليها أصلًا، وإن كان قاله بعد إسلامه فمحال أيضًا، لأن نكاحها لم يتأخر إلى بعد الفتح.
فإن قيل: بل يتعين أن يكون نكاحها بعد الفتح، لأن الحديث الذي رواه مسلم صحيح وإسناده ثقات حفاظ، وحديث نكاحها وهي بأرض الحبشة من رواية محمد ابن إسحاق مرسلًا، والناس مختلفون في الاحتجاج بمسانيد ابن إسحاق، فكيف بمراسيله فكيف بها إذا خالفت المسانيد الثابتة: وهذه طريقة لبعض المتأخرين في تصحيح حديث ابن عباس هذا.
فالجواب من وجوه:
أحدها: أن ما ذكره هذا القائل إنما يمكن عند تساوي النقلين، فيرجح بما ذكره، وأما مع تحقيق بطلان أحد النقلين وتيقنه فلا يلتفت إليه، فإنه لا يعلم نزاع بين اثنين من أهل العلم بالسير والمغازي وأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نكاح أم حبيبة لم يتأخر إلى بعد الفتح، ولم يقله أحد منهم قط، ولو قاله قائل لعلموا بطلان قوله ولم يشكو فيه.
الثاني: أن قوله: إن مراسيل ابن إسحاق لا تقاوم الصحيح المسند ولا تعارضه. فجوابه: أن الاعتماد في هذا ليس على رواية ابن إسحاق وحده لا متصلة ولا مرسلة، بل على النقل المتواتر عند أهل المغازي والسير أن أم حبيبة هاجرت مع زوجها، وأنه هلك نصرانيًا بأرض الحبشة، وأن النجاشي زوجها النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها من عنده، وقصتها في كتب المغازي والسير، وذكرها أئمة العلم، واحتجوا بها على جواز الوكالة في النكاح.
قال الشافعي في رواية الربيع، في حديث عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نكح الوليان فالأول أحق. قال: فيه دلالة على أن الوكالة في النكاح جائزة مع توكيل النبي صلى الله عليه وسلم عمرة بن أمية الضمري، فزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان.